حين ظهرت جائحة كورونا لم يكن خافيا أن أعداد الإصابات سوف تتفاقم، وبالتالي أعداد الوفيات، وكان أمام القيادات السياسية العديد من النظريات والنماذج الإحصائية الرقمية التي تتنبأ الأعداد المستقبلية للمرضى.

ومن ضمن هذه النماذج المستقبلية والتي أجريت من خلال برامج إحصائية عبر الكمبيوتر كان نموذج عالم الكمبيوتر الإحصائي في بريطانيا "نيل فيرغسون".

وتبعا لـ "نموذج فيرغسون" الإحصائي فقد توقع أن أعداد الوفيات بسبب الإصابة بالفيروس في إنكلترا كانت ستصل إلى نصف مليون، وفي أميركا إلى أكثر من اثنين ونصف مليون نسمة، وفي السويد أكثر من أربعين ألف وفاة ـ إذا لم تتخذ هذه الدول إجراءات شديدة الصرامة لفرض حظر على الناس، وإجبارهم على الجلوس في بيوتهم، ووصل الأمر لدرجة أن البعض أطلق على هذا العالم "د. لوكداون" والتي تعني باللغة الإنكليزية "دكتور اجلس في بيتك"!.

والعجيب أن القيادات في أميركا وإنكلترا والعديد من الدول الأخرى أخذت بهذا النموذج الافتراضي وأصدرت قرارات شديدة القسوة لإجبار الناس على المكوث في المنازل.

الكارثة الأكبر هي كيف اتبع العالم "نموذج فيرغسون" بالرغم من فشله الذريع في الماضي في توقع أعداد الوفيات بأنفلونزا الخنازير وأنفلونزا الطيور!

وللأمانة العلمية فقد حاول بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني في البداية رفض تبني هذا الإحصاء الافتراضي تبعا لنصائح كبير العلماء في مجال الأوبئة في بريطانيا حينذاك، ولكنه خضع بعد حوالي أسبوع واحد فقط واتبع نهج "اجلس في بيتك" بدلا من اتباع نهج السويد وهي من الدول القلائل التي رفضت تماما اتباع هذا النهج فلم تغلق المحلات أو المصالح الأخرى في الدولة وكان ذلك بناء على نصيحة كبير علماء الأوبئة في السويد.

والكارثة في اتباع منهج "اجلس في بيتك" تكمن في أنه يجعل من يحملون الفيروس ولا تظهر عليهم الأعراض يخالطون الأصحاء في المنازل المغلقة، مما يزيد من معدلات الإصابة بالمرض، وهذا ما حدث بالفعل فبدون أي استثناءات حدثت زيادات كبيرة بل وطفرة في أعداد المصابين وبصورة جنونية أحيانا بعد بداية اتباع منهج "اجلس في بيتك" في جميع الدول التي طبقت هذا المبدأ.

ولكن الكارثة الأكبر هي كيف اتبع العالم "نموذج فيرغسون" بالرغم من فشله الذريع في الماضي في توقع أعداد الوفيات بأنفلونزا الخنازير وأنفلونزا الطيور!

والمؤسف أن الناس تحركت استنادا إلى الخوف وليس العلم في هذا الأمر فاتهمت بعض الشعوب قيادتها السياسية بأنهم لا يحترمون حياة البشر إن لم يصدروا أوامر "اجلس في بيتك" ويغلقوا المدارس ومعظم الأنشطة في الدولة تقريبا، ويبدو أن الخوف كان هو المحرك الرئيسي الذي أدى إلى اتباع هذا النموذج والذي أثبت فشله بوضوح في توقعات أعداد وفيات كورونا!

فعلى سبيل المثال توقع دكتور "اجلس في بيتك" أن عدد الوفيات في السويد ستكون أكثر من مئة ألف إن لم تطبق حظر التجوال بقسوة على مواطنيها وتفرض عليهم الجلوس في منازلهم.

 ولم تعر السويد هذا النموذج أي اهتمام ولم ترتعد أمام الفيروس ولم تطبق أية إجراءات صارمة لفرض المكوث في المنازل على مواطنيها. وأثبتت السويد نظريتها حيث أن عدد الوفيات بقرب نهاية شهر يونيو الحالي نحو خمسة آلاف وفاة فقط.

وكانت النتيجة أن عدد الوفيات عندهم في شهر يونيو كان أقل من خمسة آلاف نسمة (وهو معدل أقل من العديد من الدول الأوروبية الأخرى مثل إيطاليا وإسبانيا وبلجيكا وإنكلترا)، وبالإضافة إلى ذلك ـ وعلى العكس تماما من الدول التي قررت اتباع منهج "اجلس في بيتك" ـ زاد نمو الدخل القومي الإجمالي عندهم في الربع الأول من هذا العام بالرغم من وجود وانتشار جائحة كورونا.

اتخاذ القرارات المتسرعة تحت تأثير الخوف قد يكون سببا في اتباع "نموذج فيرغسون" الفاشل مما أدى إلى كوارث اقتصادية مرعبة قد تستمر آثارها لسنوات!

ويبدو أن تبني "نموذج فيرغسون" ـ بالرغم من وجود العديد من نقاط الضعف فيه ـ كان بدرجة أو بأخرى بسبب أنه خاطب غريزة شعور الاطمئنان لدى الناس العادية حين يمكثون في بيوتهم، بالرغم من أن الإحصائيات كما حدث في ولاية نيويورك أثبتت أن احتمال الإصابة بالفيروس كان أكثر عند الذين جلسوا في البيوت من الذين كانوا يخرجون من منازلهم.

ويبدو أن الناس تذكروا كيف كانوا وهم صغار يمكثون في المنزل حين يمرضون ولكنهم نسوا أن ذلك كان حين "يمرضون" ولم يكن وهم "أصحاء" كما حدث في جائحة كورونا، ومكوث الأصحاء في المنازل لم يقلل من أعداد الإصابات كما ذكرنا بل ولربما تسبب في زيادته!

والمحصلة النهائية أن اتخاذ القرارات المتسرعة تحت تأثير الخوف قد يكون سببا في اتباع "نموذج فيرغسون" الفاشل مما أدى إلى كوارث اقتصادية مرعبة قد تستمر آثارها لسنوات!

وأختم مقالي هذا بذكر أن نيل فيرغسون تم إقالته ـ أو استقالته ـ حديثا من منصبه خاصة بعدما خرق بنفسه حظر التجول ـ والذي نصح به العالم أجمع ـ لكي يقابل صديقته سرا وفي الخفاء!

(الحرة)

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).